الاثنين، 3 أغسطس 2015

Muayed Abdulqader من أرشيف ( الصوت ) : كي لا تضيع الحقائق في تضاريس ذاكرة الأيام.. المترجم الخاص لـ ( صدام حسين ) يكشف أسراراً وخفايا كاد يطويها النسيان..!

من أرشيف ( الصوت ) :
كي لا تضيع الحقائق في تضاريس ذاكرة الأيام..
المترجم الخاص لـ ( صدام حسين ) يكشف أسراراً وخفايا كاد يطويها النسيان..!

* كان بإمكاني الدخول عليه متأبطاً سلاحي ..
* يتصرّف برقـةٍ معي ومع الآخرين .. وكان يستـمع ويناقـش ويستوضح ..
* لم أغسل يديَّ يوماً بالمحلول الكيمياوي !
* هل عانيتُ من كرديّتي ..؟
حاوره: أحمد الجنابي:
بعد 20 عاماً مرّت على عمله في القصور والمواقع الرئاسية في العراق، والتصاقه بالرئيس صدام حسين في اجتماعاته ولقاءاته مع ضيوف العراق الأجانب، يتحدث (سامان عبد المجيد ) عن ذكريات عمله، مترجماً خاصاً للرئيس صدام، ويتحدث هنا بصفة حرفيّة، كمترجم، حيث كان يقوم بدور الوسيط اللغوي بين صدام وزوّاره الأجانب. ويشير عبد المجيد إلى ما يقول عنه الجانب الإنساني، والصورة المختلفة عن صدام حسين في الإعلام الغربي، والدكتاتور. ويقول انه كان يؤمن بتعدّد الآراء، كما يتحدث عن ظروف سقوط بغداد، وكيف أن قادة صدام خانوه. وينفي سامان، وهو الكردي، أن يكون صدام حسين طائفياً. ويؤكد أنَّ علاقته بصدام كانت رسمية، فلم يحدث أن حضر اجتماعات القيادة العراقية أو اجتماعات صدام مع وفود عربية وإسلامية إلا نادراً، ولم يَدُر حديثٌ خاصٌ بينه وبين صدام. وكان الأخير يستقبل مترجمه دائماً بدفءٍ ويسأله عن حاله وأحواله، وعندما يُنهي مهمة الترجمة، كان يودّعه بقوله : شكراً لكَ، لقد أتعبناكَ معنا كثيراً، ويكرّرها أكثر من مرة.

نسأله : د. سامان عبد المجيد، من هو؟
يجيب: أنا من عائلة كردية تنحدر أصولها من محافظة السليمانية شمال شرق العراق. نلتُ شهادة البكالوريوس في الأدب الإنكليزي من جامعة بغداد عام 1968، ثم دبلوم عالٍ في اللغة الفرنسية من الجامعة المستنصرية عام 1974، وفي عام 1982 نلتُ شهادة الدبلوم العالي للدراسات العليا المتخصّصة في الترجمة الفورية من جامعة السوربون الجديدة في باريس عام 1982.. وفي عام 1997 نلتُ شهادة الدكتوراه في الترجمة من الجامعة المستنصرية ببغداد.
* متى بدأتَ دراسة الترجمة الفورية في باريس.. وهل كنتَ ضمن بعثة تهيئة المترجمين الفوريين لمؤتمر عدم الانحياز الذي كان من المفترض إقامته في بغداد عام 1982؟
** نعم كنتُ عضواً في بعثةٍ من خمسةِ أشخاص، أُرسلنا من قبل وزارة الإعلام العراقية لدراسة الترجمة الفورية، ضمن الاستعدادات التي كانت الحكومة العراقية تتّخذها على جميع الأصعدة للاستعداد لمؤتمر عدم الانحياز. كان من ضمن الاستعدادات، تهيئة مترجمين فوريّين وشفهيّين وتحريرييّن ومرافقي وفود يتحدّثون لغاتٍ عديدةً. أرسلتْ أفواجٌ من المترجمين لتلقّي دراساتٍ عليا متخصصة إلي فرنسا وبريطانيا وأسبانيا.
* هل تتذكر زملاءكَ الذين أرسلوا معك إلى فرنسا؟
** نعم، كان بيننا فتاتان هما ميسون ضياء ولمياء الشيخلي، إضافة إلى عدي الطائي وأنا.
* كانت مهمة حساسة فما هي المعايير التي تمَّ اختياركم على أساسها؟
** كانت معايير مهنية تعتمد على الكفاءة بشكلٍ أساسيٍّ ونهائيٍّ. كان المشرف علي استعدادات المترجمين (عضو مجلس قيادة الثورة في العراق) طه ياسين رمضان، وكانت تعليماته واضحةً ومحدّدةً في اختيار الأشخاص المهنيّين والكفوءين.
* هل كنتَ بعثيّاً عندما تم اختيارك للبعثة؟
** كنتُ بعثيّاً صوريّاً، مَثَلي مَثَل ملايين العراقيين الذين انضمّوا بشكلٍ صوريٍّ لحزب البعث لأسباب وظيفية، لكنَّ زملائي لم يكونوا جميعهم بعثيّين، مثل الفتاتين اللتَين ذكرتهما وغيرهم، ولم يُطلب منهم إطلاقاً الانضمام إلى حزب البعث،كشرطٍ لضمان البعثة.
* كيف انضممتَ إلى طاقم رئاسة الجمهورية، ومن ثمَّ المترجمَ الخاصَّ لصدام حسين؟
** بعد عودتي إلى بغداد من فرنسا، عيّنتُ في دار المأمون للترجمة والنشر التابع لوزارة الإعلام، حيث أصبحتُ رئيساً لقسم الترجمة، وكان أبرز إنجاز حققّه القسم، هو الاستغناء عن الاستعانة بمترجمين فوريّين من خارج العراق لتغطية المؤتمرات المختلفة التي كانت تُعقد في بغداد والمدن العراقية الأخرى. هذا بالإضافة إلى قيامي بالتنسيق مع أساتذتي في فرنسا للاستعانة بقسمنا في المؤتمرات الدولية، ونجحت مساعيِّ تلك، وأصبحتُ ومترجمين آخرين، نغطّي عند الطلب مؤتمرات وكالة الطاقة الذريّة في العاصمة النمساوية (فيينا ) والعديد من الفعاليات الدولية في مختلف دول العالم. بعد السمعة الطيبة التي أصبحت للقسم، استدعاني في أحد الأيام مدير عام دار المأمون للترجمة الأستاذ ناجي صبري الحديثي، الذي أصبح لاحقاً وزيراً للخارجية، وأخبرني بأنَّ ديوان رئاسة الجمهورية طلبَ منه ترشيح مترجم خاص للرئيس صدام حسين، وأنّه رشّحني لهذه المهمة. قال لي إنَّ ترشيح شخص لهذه المهمة الدقيقة لا يعتمد على أساس الكفاءة المهنية فقط، وإنما يجب أن يكون على أساس الخلق القويم والتهذيب العالي وحسن التصرف في مجالس تضم قادة دول وأشخاصاً ذوي منزلة عالية، وأنه توسّم فيّ تلك الصفات. كان ذلك عام 1986. ويبدو أن الاستفسارات الأمنيّة عن شخصٍ سيكون ملاصقاً للرئيس، لم تكن بالهينّة، حيث أني لم اسمع شيئاً عن الموضوع لسبعة أو ثمانية أشهر بعد ترشيحي للوظيفة، أيْ في شتاء عام 1987. والطريف في الموضوع، أني لم استلم تكليفي بالعمل في رئاسة الجمهورية إلا بطريق الصدفة، فقد كنتُ في بغداد في إجازة من الجيش الشعبي (وحدات شبه عسكرية مؤلّفة من أفراد تعدّت أعمارهم سنَّ التجنيد كان العراق يستخدمها بدل الوحدات العسكرية في المناطق البعيدة عن جبهة الحرب مع إيران)، وذهبت في آخر يوم لألقي السلامَ على زملائي في دار المأمون، وإذا بالمدير العام يخبرني بأن ديوان رئاسة الجمهورية قد طلبني بالفعل. تسرّحتُ من الجيش الشعبي وعدتُ للعمل في دار المأمون بانتظار التكليف الرسمي، ولكن لم يصلَني شيءٌ لشهور أخرى، إلى أنْ تمَّ الاتصال بي لأول مهمة لي للترجمة للرئيس صدام حسين، حيث رهبة الموقف، وكان باستقبال الرئيس الصومالي (محمد سياد بري) الذي كان يتكلم الفرنسية.
* كيف شعرتَ، وأنتَ أمام صدام حسين للمرة الأولى؟
** شعرتُ برهبةٍ من الموقف، ولكن استقبال الرئيس لي بالتحيّة بطريقةٍ بسيطةٍ وبدون تكلّف ووجود مترجم اللغة الإنكليزية المرحوم (مازن الزهاوي ) ومساعدته لي في توضيح الموقف والبروتوكول المتّبع، سّهلَ عليَّ الأمورَ كثيراً، وما أنْ مرّت اللحظات الأولى حتى اندمجتُ بالعمل، وسارَ كلُّ شيءٍ على ما يرام.
* هل دار بينك وبين الرئيس صدام حسين في ذلك اليوم أي حديث؟
** كلا، ولم يحدث بيني وبينه أي حديث خاص، أعني أنْ اختلي به، حتى النهاية، لكنّه كان يستقبلني دائماً بدفءٍ، ويسألني عن حالي وأحوالي، وعندما أنهي مهمّةَ الترجمةِ كان يودّعني بقوله: شكراً لكَ لقد اتعبناك معنا كثيراً، ويكرّرها أكثر من مرة.
* متى أصبحتَ المترجم الخاص للرئيس صدام حسين رسمياً؟
** بقيتُ حتى عام 1990 مترجمَ الرئيس عند الطلب، ولكن بعد دخول الجيش العراقي إلى الكويت، وتقاطر الوفود من كافة المستويات والأنواع على بغداد، صدرَ أمرٌ بنقلي نهائياً من وزارة الإعلام إلى مكتب السكرتير الصحفي لرئيس جمهورية العراق. كان السبب وراء نقلي هو عمل خلاصة يومية حول ما تكتبه الصحف الفرنسية حول موضوع دخول العراق إلى الكويت، وتقديمها إلى الرئيس صدام حسين، الذي كان حريصاً أشدَّ الحرصِ على معرفةِ كلِّ ما تكتبه الصحف الغربية حول العراق، وقد نُقل بعدي بيومين أحد زملائي للقيام بذات المهمة، ولكن مع الصحف الناطقة بالإنكليزية.
* هل شعرتَ بأن كونك غير عربي (كردي)، كان له أي تأثير على عملية اختياركَ للعمل مع الرئيس؟
** كلا، على الإطلاق، فمنذ دخولي الحياةَ العمليّةَ حتى أصبحتُ مترجماً للرئيس، لم أشعر في يوم من الأيام، بأن قوميّتي الكردية هي نقطة ضعف بالنسبة لي. لا بل لم اشعر بذلك طوال حياتي، خصوصاً وأن اسمي كردي، كما لم اشعر بأيِّ يومٍ من الأيام بأنَّ ذلك قد أثرَّ سلباً بأيِّ شكلٍ من الأشكال، لا في المدرسة، ولا في الحياة الاجتماعية، ولا في الجامعة. كنتُ أشعر وأُعامَل على أني عراقي، مثلي مثل أي عراقي آخر. طرأ على بالي في وقت من الأوقات بأنه ربما لكوني كردياً، استغرقت الإجراءات الأمنيّة ما بين ترشيحي لأصبحَ مترجماً للرئيس واعتمادي للمهمة من سبعة إلى ثمانية أشهر. أقول ربما، وأشدّد على كلمة (ربما)، ويعزّز ذلك القول، بأنني طوال خدمتي في القصر الجمهوري لم يفتّشني أحدٌ أثناء دخولي وخروجي على الرئيس صدام حسين. يظن الكثير من الناس بأنَّ كلَّ من يدخل على صدام حسين يخضع إلى تفتيش دقيق، ولكن ذلك غير صحيح، كان بإمكاني في كل مرة فيها أدخل قاعةً يتواجد فيها صدام حسين وأنا أتأبطُ سلاحاً.
* هذا يعني أنكَ لم تغسل يديكَ يوماً بالمحلول الكيمياوي الشهير، الذي يقولون بأنَّ كلَّ من يصافح صدام حسين عليه أن يعقِّم يديه بمحلول خاص؟
** أبداً، لم يحدث ذلك.
* تعني هذا المحلول ليس له وجود؟
** يا أحمد، لقد أصدرتُ كتاباً يتضمّن سيرتي الذاتية، وفيه وفي مقابلتي هذه معك، وفي أيِّ لقاءٍ مستقبليٍّ، أشدّد على أنني أقول شهادتي أمام الله والتاريخ، ولن انقلَ على لساني سوى ما رأتْ عيناي، وسمعت أذناي. قد يأتي شخصٌ في يوم من الأيام ويقول، بأن هناك معقِّماً كيمياويّاً على كلِّ من يدخل على صدام حسين، قد يكون صادقاً، وقد يكون كاذباً، ولكن الأكيد بالنسبة لي، هو أنني لم أغسل يوماً يديَّ بسائل من هذا القبيل.

في حلقةِ الغد من هذه الاستذكارات المهمة والخطيرة:
*هل كذبَ عليه قادته ..؟
* بماذا ردَّ على عنان؟
*وخفايا كثيرة أخرى ..!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق